د.سليمان عباس يكتب : لماذا الهجرة إلى الحبشة؟

بقلم

الدكتور سليمان عباس البياضي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية و محاضر في جامعة

العريش

لوجود بها ملك يؤمن ويسلم لنبي عربي لم يره في حياته البتة ،
فيأتيه رجل كافر من نفس مدينة ذلك النبي ليزوره ،
ويسلم ذلك الرجل ليس على يدي النبي الذي كان يراه ليلا نهار في مدينته
وإنما على يدي ذلك الملك الإفريقي الذي لم ير النبي أصلًا !!!
ثم يتحول هذا الرجل العربي إلى بطل من أبطال الإسلام ،
فيقوم بعد ذلك بإدخال الإسلام إلى مدينة الإسكندرية التي كان يتبع كنيستها ذلك الملك نفسه قبل أن يُسلم !!!
أمّا ذلك النبي فهو محمد صلى الله عليه وسلم ،
وأما ذلك الرجل العربي فهو عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه ،
وأما ذلك الملك الإفريقي المسلم فهو أصحمة بن أبجر نجاشي الحبشة
جزاه الله كل خير .

  • إن كنت قد استغربت من هذا الترتيب الإلهي
    فتأمل معي ترتيبًا آخر أعجب منه بكثير ،
    والذي يستشعر المرء من خلاله يد الله
    التي هيئت الظروف لنبيه “صلي الله عليه وسلم” حتى قبل ولادته ،
    فهناك بعيدًا عن مكة وصحراء العرب ،
    في أدغال الحبشة ( أثيوبيا و أريتريا و وشمال الصومال حاليًا )

وفي إحدى الليالي المظلمة ، قتل بعض المتآمرين ” أبجر” نجاشي الحبشة – النجاشي لقب يطلق على كل ملك يحكم الحبشة ! – ،
ثم جعل أولئك المتآمرين ملكًا آخر على الحبشة ، وباعوا ابن الملك المقتول لأحد تجار الرقيق ، وفي ليلة من الليالي المظلمة خرج الملك الجديد خارج قصره ، وبشكل عجيب غريب ، نزلت صاعقة من السماء وهو من بين جنوده فأصابته من دونهم ، فوقع قتيلًا للتو واللحظة ، فسادت الفوضى بلاد الحبشة ، فعلموا أنها لعنة حلت عليهم من الله ، فبحثوا عن ابن الملك ليعيدوه للحكم ، فعرفوا أنه في متن سفينة مبحرة إلى بلاد العرب حيث سيباع هناك عبدًا ، فقاموا بتحريره ومن ثم أجلسوه على عرش أبيه الذي اغتصبوه من قبل ، هذا الغلام كان يسمى ” أصحمة بن أبجر” وهو نفس الملك الذي اشتهر لدى المسلمين باسم النجاشي ! .

وربما يكون هذا الظلم الذي وقع للنجاشي في طفولته هو سبب مقته للظلم ، لذلك اشتهر النجاشي بعدله بين الناس ، الأمر الذي دعا رسول الله” صلى الله عليه وسلم” لكي يأمر أصحابه بالهجرة للحبشة بعد أن اشتد إيذاء المشركين لهم ، عندها بعثت قريش ” عمرو بن العاص” الذي كان صديقًا قديمًا للنجاشي لكي يستردهم ، ولكن المفاجاة حدثت عندما قذف الله الإيمان في قلب النجاشي ، ليخفي النجاشي إسلامه عن قومه ، ليس خوفًا على الكرسي ، وإنما خوفًا من أن يفتك النصارى باللاجئين المسلمين الذين كانوا يمثلون تقريبًا نصف عدد المسلمين في الكرة الأرضية ، فقد بعثهم رسول الله “صلى الله عليه وسلم “خصيصًا للحبشة وأبقابهم بها 15 سنة لكي يحملوا رسالة الإسلام للبشر في حال إذا ما قتل المشركون رسول الله وصحابته الكرام ، فيكون هناك من يحمل راية الإسلام في الأرض إذا ما أصابهم مكروه.

هذا التخطيط الإستراتيجي طويل المدى لرسول الله “صلى الله عليه وسلم” أدركه تمام الإدراك النجاشي “أصحمة” ، فكان من الضروري على النجاشي أن يكتم إسلامه حرصًا على استمرارية الدعوة ، فلقد رأى النجاشي من بطارقة النصارى حَنَقَهم بهذا الدين الذي يدعوا لوحدانية الله تعالى وترك عبادة المسيح ، فخشي أن يثوروا عليه ويعزلوه – كما فعلوا مع أبيه من قبل – ، فيضيع بذلك حليف قوي لرسول الله “صلى الله عليه وسلم “كان بإمكانه دعم الدولة الإسلامية الناشئة ، بل في أسوأ الأحوال ، يمكن له استضافة رسول الله “صلى الله عليه وسلم ” إذا ما اقتضت الحاجة ، في حالة انهيار دولة المدينة.

وبعد سنوات من النصرة السرية للمسلمين مات النجاشي رحمه الله قبل أن يكحل عينيه برؤية الرجل الذي آمن به وصدقه من دون أن يراه ، ليعلم رسول الله “صلى الله عليه وسلم” بخبر موته وهو في المدينة قبل أن يجمع الصحابة ليصلي عليه صلاة الغائب ، لتنتهي بذلك قصة أول ملك من ملوك الأرض يؤمن برسالة محمد “صلى الله عليه وسلم” ، قصة أول ناصر لهذا الدين من ملوك الأرض!.

المفارقة العجيبة في قصة هذا العظيم الإسلاميشش؛
أن النجاشي رحمه الله كان التابعي الوحيد الذي أسلم على يديه أحد الصحابة وهو عمرو بن العاص رضي الله عنه !!!….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى