صالح المسعودي يكتب “عبد المأمور “

من حوار بسيط دار بين شخصين في إحدى وسائل المواصلات التقطت أذني هذا اللفظ المتداول فمكثت فترة ليست بالقليلة أبحث له عن معنى يجعل منه لفظا مفيدا إلا أنني أبحرت أكثر وأكثر في بعض الألفاظ التي نرددها مع الأسف مثل ( الببغاوات ) ولا نلقي لها بالاً وهي تمثل كارثة لفظية ، ففي بداية الأمر بحثت وبشكل فيه من الجهل الكثير عن كلمة ( المأمور ) وهل هي من أسماء الله الحسنى مثلاً ؟ فلم أجد لها ذكرا في أسمائه ( سبحانه وتعالى )

ثم بدأت البحث عن سبب يجعل هذا اللفظ المشبوه متداولاً بكثرة في بلد يؤمن جميع شعبه بوجود الله ( سبحانه وتعالى ) حتى لو اختلفت دياناتهم وطوائفهم ، فوجدت أن هذا اللفظ يستخدم عندما يريد قائله أن يعطي ضميره أجازة مؤقتة مبتكراً هذا اللفظ الذي لا يصح دينياً ولا أخلاقياً ليعطي صيغة التبرير أو ليوضح مدى الضغوط التي تمارس عليه تجعله يعطي أمرا أو يأمر بتوجيهاً فيه من المخالفة للضمير الحي الكثير

ووجدت أن هذا اللفظ مرتبط دائماً بالفشل وخاصة فشل الإدارة أو فشل في اختيار قائد العمل في أي موقع من المواقع ، فمثلاً تجد هذا اللفظ ( عبد المأمور ) يتداول دائماً في الإدارة التي لا تعتمد على التخطيط الجيد وعدم وجود خريطة محددة ترسم نهج النظام الإداري في أي مؤسسة من المؤسسات مما يستوجب التخبط الذي يصيب القرار وناقله للمستوى الأدنى وعندما يتجرأ احدهم ويستفسر عن أمر ما يكون الرد القميء ( أنا عبد المأمور ) لأنه بالفعل ليس لديه الرصيد الكافي من الفكر أو المعلومات التي يرد بها عن استفسارات الغير

كذلك يرتبط هذا اللفظ بقائد العمل في أي مؤسسة أو أي تجمع عملي ، ففي حالة عدم الاختيار الجيد لقائد العمل في أي موقع سوف تجد هذا اللفظ يتكرر كثيراً فهو يصدر أوامر يحكمها الهوى وهو يرى أنها لابد أن تنفذ فهو لا يخطئ من وجهة نظره بالإضافة إلى اعتقاده أنه لو تراجع في قرار سوف ينقص هذا من شخصيته القوية التي يجب أن تأمر فتطاع حتى لو في الخطأ فتجد معظم من هم تحت رئاسته يرددون كنوع من الجبر أو نوع من ( التطبيل ) ( أنا عبد المأمور )

عزيزي القارئ المحترم يجب أن نتخلص من مثل هذه الألفاظ لأنها وفي المقام الأول ( لا تجوز شرعاً ) فالجميع عباداً لله ( سبحانه وتعالى ) فإليه يرجع الأمر كله وناطقها بالتأكيد يأثم لأنها كلمة شرك حتى لو استسهلتها ورأيت أنها كلمة بسيط ولا تنسى أن سبب الشرك في الأرض أيضاً كان بسبب أمور بسيطة حتى تراكمت وأودت بأمم في نار جهنم ، فالاستهتار بتلك الكلمات أمر مستهجن ولا يجوز

ثم أننا يجب أن نعالج أيضاً مسببات تلك الكلمات بوضع الخطط والاستراتيجيات الواضحة التي لا لبس فيها والتي تمنع اجتهادات الجهلاء الذين يؤدون بغبائهم إلى ترديد مثل تلك الكلمات التي لا قيمة لها ، ثم نتبع ذلك الاختيار الأمثل لقادة العمل في جميع المواقع ، فقيادة العمل تتطلب الخبرة الكافية مع حضور ذهني وإلمام بمقتضيات العمل مما يجعل قائد العمل عندما يصدر أمراً ما فهو يخرجه بعد دراسة وتأني تجبر من يسمعه على تنفيذه لأنه في صالح المجموعة والعمل ، ولا يعتريه غموض يجعل متلقيه ينفذه فقط لإرضاء قائد العمل متعللاً بقوله ( أنا عبد المأمور )

                                          

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى