د. سليمان عباس يكتب : معركة الزلاقة دروس وعبر

تعد معركة الزلاقة من أهم المعارك في تاريخ الأمة الإسلامية وكانت نقطة فاصلة في تاريخ الأندلس.
وأبقت الإسلام وأَخَّرت سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس لقرنين ونصف


بعد أن استفحل خطر النصارى في الأندلس وفي المقابل قامت للمسلمين في الأندلس دويلات وصلت إلى ثلاث وعشرين دويلة تناحرت فيما بينها، وعُرف حكامها بـ”ملوك الطوائف”.
ولما كان الوضع في الأندلس على هذا السوء، أعمل ملك الصليبين فيها ألفونسو السادس سيفه، حتى أصبح ملوك الطوائف يبعثون بالجزية إليه كل عام، فضج ملوك الطوائف من تجبره.


في ذلك الوقت كانت هناك قوة صاعدة في بلاد المغرب وهي دولة المرابطين وأميرها يوسف بن تاشفين والتي كانت بمثابة طوق نجاة للأندلسيين؛ حيث أرسلت وفود شعبية من العلماء رسائل تحثُّ الأمير يوسف بن تاشفين على إنقاذ الأندلس، وعرض يوسف بن تاشفين القضية على أهل العلم عنده، فأجمعوا على ضرورة نصرتهم.
وعبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس، ولقد انزعج ألفونسو من مجيء المرابطين انزعاجًا كبيرًا؛ حيث شعر بعودة الروح المعنوية إلى أهالي الأندلس بعد أن كان يتلاعب بمصيرهم, وينتظر الفرصة لاستئصالهم من الأندلس.
وبعد عبوره إلى الأندلس أرسل يوسف بن تاشفين إلى ألفونسو كتابًا يعرض عليه الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب، ومما جاء في كتاب الأمير: (بلغنا يا ألفونس أنَّك نحوت الاجتماع بنا, وتمنيَّت أن تكون لك فُلْكٌ تعبر البحر عليها إلينا، فقد جزناه إليك)، ولما قرأ ألفونسو الكتاب زاد غضبه وقال (أبمثل هذه المخاطبة يخاطبني وأنا وأبي نغرم الجزية لأهل ملته منذ ثمانين سنة؟).


وانتهت الرسائل التهديدية بقيام موقعة من أشهر مواقع المسلمين وهي الزلاقة؛ حيث التقى الجيشان بمكان عرف باسم الزلاقة؛ لأن الخيول كانت تنزلق من كثرة دماء الصليبيين التي سالت على أرض المعركة، بدأت أحداث الموقعة بمحاولة ماكرة من (ألفونسو السادس)؛ حيث أرسل يحدد يوم المعركة، فأرسل أن غدًا الجمعة وهو عيد المسلمين، وأن السبت عيد اليهود وفي جيشنا كثير منهم، وأما الأحد فهو عيدنا، فلنقاتل يوم الإثنين.
تسلم يوسف بن تاشفين الرسالة، وبوعي تام بفنون الحروب لم يُخبر جيشه بهذه الرسالة؛ إذ إنه يعلم أن هذا الرجل مخادع، وبعد صلاة فجر الجمعة 12 رجب 479هـ= 23 أكتوبر 1086م، هجم ألفونسو بجيشه، ولم تكن مفاجأة ليوسف بن تاشفين أن ينقض (ألفونسو السادس) عهده.
إنما المفاجأة أصابت (ألفونسو) الذي وجد الجيش الإسلامي على أتمِّ تعبئة وأفضل استعداد؛ حيث كان يوسف بن تاشفين قد قسم الجيش ثلاث فرق: الفرقة الأولى وهي المقدمة بقيادة المعتمد وتضم خمسة عشر ألف مقاتل..


والفرقة الثانية: فرقة من جيش المرابطين وعلى رأسهم البطل المرابطي الكبير داود ابن عائشة، وكانت هذه الفرقة خلف الجيش الأندلسي..
أما الفرقة الثالثة فكانت تضم جيش المرابطين الرئيسي بقيادة يوسف بن تاشفين وكانت تختفي خلف أحد التلال على مسافة من الجيش، بحيث لا يُرى هذا الجيش، فيُظَنُّ أن كل جيش المسلمين هو الفرقتان الأوليان: جيش الأندلسيين وجيش المرابطين الذي يقوده داود ابن عائشة.
وقد أراد يوسف بن تاشفين من وراء ذلك أن تحتدم الموقعة فتُنْهك قوى الطرفين حتى لا يستطيعا القتال، وكما يحدث في سباق الماراثون فيقوم هو ويتدخَّل بجيشه ليَعدل الكِفَّة لصالح صفِّ المسلمين.
وقد كانت خطة يوسف بن تاشفين كخطة خالد بن الوليد في فتوح فارس والنعمان بن مقرن قي موقعة نهاوند، فقد كان -رحمه الله- رجلاً عالما بالتاريخ ووقائعه.


وبالفعل أصاب الصليبيين في ذلك اليوم مقتلة عظيمة، وولى ألفونسو مطعونًا في إحدى ركبتيه طعنة أفقدته إحدى ساقيه، وكان لمعركة الزلاقة تأثيرٌ كبيرٌ في تاريخ الأندلس الإسلامي؛ إذ إنها أوقفت زحف الصليبيين في أراضي ملوك الطوائف الإسلامية، وقد أَخَّرت سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس لمدَّة تزيد عن قرنين ونصف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى