
هل شاهدت ذاك المشهد العجيب لتماسيح تطفوا على الماء ؟ وهل لاحظت أن تلك التماسيح تكاد أن تراها مجموعة من الأخشاب الطافية ، لكن هل انتظرت لدقائق لتنظر ماذا هي فاعلة لأن هذه التماسيح تتحول فجأة لكائن مفترس شديد الخطورة يلتقم الفريسة في فيه الضخم ليغوص بها في قاع النهر غير عابئ بتوسلاتها ونحيبها ، وعندما يقضي وقته مستمتعاً بأكلها يعاود الكرة فيطفوا فوق الماء كقطعة من الخشب كأنه أليف ومستسلم حتى تحين له فرصة غدر أخرى بلا وازع من ( رحمة أو عطف ) فقانون الغاب لا يعترف بهما
هل تتعجب عزيزي القارئ من تلك المقدمة المطولة ؟ وسؤالي لك لماذا العجب ؟ ، ألم تشاهد هذا المنظر من قبل ؟ ألم يحالفك الحظ بأن تلتقي بشخص يتصرف معك بمثل ما تصرف هذا الكائن المتوحش ؟ أعلم أعلم ردك جيدا بل ورد كل من يقرأ تلك الكلمات ، بل تكاد أن تقول لي ( قلبت علينا المواجع ) ، ولا عجب في ذلك فكثير من الناس مقلداً للتماسيح بل ربما أشد خطورة منها ، فكثير من الناس يتناسى أدميته وإنسانيته بل ودينه عندما تأتيه الفرصة فينقض عليك غير عابئ أيضاً بتوسلاتك أو كما يقال ( بالعيش والملح ) الذي بينكما
وقد تتعجب عزيزي القارئ من اختياري لهذا الموضوع على الرغم من أنني دائماً ما أكتب عن الأصول والصداقة والمحبة بين الناس ، معك حق لكن كيف لا أنصحك وقد رأيت مثل تلك الأحداث أمامي وخاصة في الجلسات العرفية التي تأتيني للفصل بين المتخاصمين فأجلس مستمعاً لحجج أطراف النزاع في ذهول وكأن ( التماسيح الطافية ) أقل خطورة من بعض البشر ، وهذا ليس تشاؤماً ، أو دعوة لمقاطعة الأحباب والأصدقاء ، ولكنها مهارة التعامل مع الغير التي يجب أن يدور نقاشها بيني وبينك اليوم عزيزي القارئ العزيز
قبل أن تُبحر مع أحدهم يجب عليك أولا الحرص ( بلا تخوين ) وتجربه مرات قبل أن تثق به وأذكرك هنا بمقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ( لا أنا بالخب ولا الخب يخدعني) ومعناها لمن يجهلها أنني لست بالمخادع ، ولكن أيضاً لا أترك فرصة للمخادع كي يخدعني ) ، وعليك أن تتذكر مقولة أخرى رغم اعتراضي شخصياً عليها مفادها ( احذر من عدوك مرة ومن صديقك ألف مرة ، فلربما انقلب الصديق فصار أعلم بالمضرة ) وسبب اعتراضي عليها أن لقب الصديق لا يجب أن يكون بهذا الشكل لأن الصديق الحقيقي من الصعب أو من المستحيل أن يفعل معك ما يعكر صفوك وخاصة أن الصديق الحقيقي لكي يكون صديقك حقاً قد مر بمراحل ( فلترة ) كثيرة قبل أن يصل لهذه المكانة
ومن الضروري أن تعرف عزيزي القارئ أن هناك محكات أساسية لفلترة الناس لتتعرف على معادنهم من ذلك ( مجاورة الشخص في بيت ) فكما يقول المثل العامي ( جارك مرآتك ) ، فالجوار سيظهر لك الشخص على حقيقته ، ومن ذلك أيضاً ( المعاملات المادية ) من إقراض أو اقتراض ، فالمعاملات المادية اختبار صعب جدا لمعادن الناس ، ثم ثالثاً وأخيراً المرافقة في السفر لا سيما السفر البعيد ، وفي السفر تظهر لك الناس كيوم ولدتهم أمهاتهم وهذه المحكات الثلاث يجب ألا تثق في أي شخص بشكل كامل قبل أن تجرب إحداها
عزيزي القارئ النبيل لا أدعوك للهجر والحذر المفرط الذي يبعد عنك الأحباب ، ولكن المؤمن كيس فطن وله بصيرة من القلب قبل البصر وما عليك إلا أن تدعمها بفلترة قبل الوثوق وإلا تعرضت للتماسيح الطافية التي تتعاطف معها في أول الأمر ثم ما تلبث أن تتحول لوحوش لا تعلم عن الإنسانية أو الدين شيء دمتم بخير وعافية
صالح المسعودي
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.