صالح المسعودي يكتب :إلى رحمة الله !؟

صالح المسعودي

حزن عميق أصابني وأنا أتابع تعليقات البعض على وسائل التواصل الاجتماعي على نبأ وفاة أحد الوزراء القدامى لا لشيء إلا أنني أحسست بتغير غير مسبوق في تكوين شخصيتنا المصرية والعربية بشكل أوسع ، لم أكن أتصور أن يجعل البعض موت الرجل هو أو غيره مادة دسمة للتسلية عبر تلك الوسائل ، وسبب حزني يتلخص في أمرين من وجهة نظري بالطبع ، السبب الأول أن الموت أهم وأكبر عظة على وجه البسيطة ، وهو كذلك ناقوس الخطر الذي يلازم كل شخص فينا فكيف نجعله مادة للتسلية ؟ وماذا أعددنا له نحن لنكون بهذا الشكل الذي يظهر للقاصي والداني أننا في غاية التقوى والورع ؟
فهذا يذكرني بمن يدفنون الميت ويستمعون إلى كلمات الوعظ على القبر وهم ينظرون إلى قبور أهلهم وأحبابهم ثم يتبادلون الكلمات وأحيناً نجد من يتحدث في أمور دنيوية بحتة أثناء وعظ الواعظ ، وكأن الأمر لا يعنيه في الوقت الذي لو انتبهت للحظات وفكرت في أهل القبور لوجدتهم يتمنون أن يعودوا لهذه الحياة ولو للحظات يطعمون فيها جائعاً ، أو يكثرون من الصلاة والسلام على رسول الله ، يتمنوا أن يحادثوا الأحياء ويحثوهم على استغلال كل دقيقة بل كل لحظة في مرضاة الله قبل أن يُقبلوا على حساب بلا عمل
والسبب الآخر يعود لي أنا على المستوى الشخصي فقد تذكرت حوار دار بيني وبين صديقي عن أحد رؤساء مصر الراحلين وأتذكر أنني قلت ساعتها لصديقي ( إلى رحمة الله ) عندما ذُكر الرجل ، فانتفض وبشكل عجيب ثم قال لي ( أتترحم عليه ) قلت له نعم وماذا في ذلك ؟ قال ( لقد فعل وفعل ولا يستحق منك أن تترحم عليه ) قلت له أنا أترحم على كل من سبقني إلى الله ، ثم التفت إليه وقلت له ( ألم تقرأ القرآن ؟ ) قال لي ( وأي شيء في القرآن أقرأ ؟ ) قلت له أقرأ قول مالك الملك ( بسم الله الرحمن الرحيم إنا إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) صدق الله العظيم
وهذا معناه بكل بساطة أن الله لم يوكل حساب عباده لأحد من عباده ، وهو القائل ( لو خلقتموهم لرحمتموهم ) قلت له يا صديقي لم يجعلنا الله قضاة على خلقه فهل ننصب من أنفسنا قضاة على الناس ؟ ، وهل نعلم سرهم بينهم وبين ربهم ؟ وهل أصبحنا نعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، دع الملك للمالك يا أخي فللكون رب يديره ويدبر أمره وهو أعلم بحال عباده
يا صديقي العمر أقل بكثير من أن نضيعه في أحقاد وغيبة ونميمة ، يا صديقي اجعل كل تفكيرك في كيفية أن تلقي ربك بقلب سليم ، قلب نظيف لا حقد فيه ولا حسد ، لا مكر فيه ولا مراوغة قلب يقبل الناس على حالهم دون التفتيش في ضمائرهم فكل منا له وجه آخر خلف الستار وجه يحمل الأسرار والهموم ولا يتمنى أن يراه أحد فلا تحاول كشف ستر شيء أراد صاحبه ستره عنك ، ولا تحاول أن تبحث عن الوجه الآخر لأي شخص حتى لو كنت متأكد أنه سيء يكفي أنه احترمك وأظهر لك الجانب الأفضل منه دمتم بخير
صالح المسعودي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى