د.سليمان عباس البياضي يكتب :التقاضي العرفي في سيناء…بين الأصالة والمعاصرة

إن سيناء تستحق منا أن تكون هي دماؤنا التي تجري في عروقنا ، وهي أصيلة بأصالة مصرنا الحبيبة ؛ لذا كان من الواجب أن نوثق تاريخها ، حياتها ونظامها وطبيعتها ، نوثق فراسة أهلها ومروءتهم وشجاعتهم وعدلهم ، فكان ذلك المزيج في صورة القضاء العرفي الذي يعبر عن سمات البدوي عامة وأهل سيناء خاصة . ليكون هذا الكتاب تاريخا ناصعا لآبائنا وأجدادنا ، وتراثا مشرفا ونبراسا لنا ولأبنائنا . 

والقانون العرفي ليس مدونًا ورغم ذلك هناك إجماع على الأحكام التي يصدرها القضاء العرفي, وهي أحكام واجب تنفيذها حتى لو جاءت على غير هواهم ، ولكل قبيلة من القبائل في سيناء قاض خاص بها, وهو يستمد أحكامه في الأصل من العادات والتقاليد البدوية التي لا يزالون يتمسكون بها حتى الآن. 

إن القضاء العرفي أحد أبرز آليات الضبط الاجتماعي غير الرسمي والذي يلعب الدور الهام في استمرار نظام المجتمع والانتظام في السلوك الاجتماعي للأفراد ، وتبرز أهمية القضاء العرفي كأحد الآليات التي تساعد على الاستقرار الاجتماعي كونه يساعد على توطيد شعور الأفراد بالمساواة والعدل من خلال الامتثال للقيم الاجتماعية ، كما أنه يحافظ على تحقيق مساحة من الأمن الاجتماعي للأفراد بعضهم البعض .

و تختلف وسائل الضبط الاجتماعي باختلاف طبيعة المجتمع ، فنجد أن قانونه الرسمي هو القانون الأول ثم يأتي غير الرسمي، وعلى العكس في بعض المجتمعات تجد أن القانون غير الرسمي يمثل المرتبة الأولى، والقضاء العرفي يتميز بالمرونة ويمثل جزء أصيلا من القانون العام الذي يؤدي دورًا في تدعيم الاستقرار والضبط الاجتماعي ، وعلي الدولة الشروع في سن قوانين منظمة لطبيعة القضاء العرفي حتى لا تتضارب مع الدستور العام للدولة.

وبعد القضاء العرفي جزءًا من التراث الثقافي للبادية , توارثته الأجيال وتأثرت به قولا ًوممارسة من جيل إلى جيل ، والقضاة هم كبار مشايخ القبائل والعائلات التي يركن جميع الأفراد لها بالولاء، وهو يعتبر الدعامة الرئيسية في تحقيق الاستقرار الاجتماعي, فيحقق أعلى مستوى من التراضي بين أفراد المجتمع السيناوي , والقانون العرفي يقوم على العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمعات البدوية ؛ حيث لا يلجأ سكان سيناء إلى المحاكم الرسمية إلا في حالات الضرورة القصوى , فهم يحترمون الشورى في الشئون العامة , والقضاء العرفي التزام خلقي يتصف رجاله بالموضوعية والنزاهة والشرف والأمانة وهم بالأساس مصلحون يمنعون التوتر والنزاع بين عائلتين أو أكثر.

 ولقد وضعت القوانين العرفية من أجل حماية بناء القبيلة واستمرار بقائها، ولايزال القضاء العرفي هو السائد بين أبناء سيناء, تلتزم جميع الأطراف بتنفيذه , إلا أنه في بعض الحالات النادرة قد يرفض فيها البعض تنفيذ حكم القضاء العرفي, مما يترتب عليه من عواقب و إجراءات لا يتحملها أقل الناس رجولة وشهامة في البادية .

إن للتقاضي العرفي دورًا مهما في التعامل بين شتى الأفراد والمجتمعات , لا يقل أهمية عن القوانين الوضعية , فحافظ على عاداته وتقاليده من المتغيرات المعاصرة , وقضي على الفساد الذي ينتشر في العديد من المجتمعات, وحافظ على حقوق والطفل , وعمل علي حماية المرأة وحفظ حقوقها, وأرسي لها حصانتها ؛ فالقضاء جذوره الثابتة التي تساير التطورات الهائلة في النظم الاجتماعية الحديثة ، متماشيا مع المستحدثات في ذلك العصر, وأعاد النظر في العديد من القضايا التي تتفق مع الأصول الثابتة للشريعة الإسلامية, فنجد العديد من القضايا أمام المحاكم يتم إحالتها إلى القضاء العرفي المسمى ” العدالة الناجزة “.

وعلي ذلك فقد رأيت أن أوثق هذا الجانب المضيء من الحياة في البادية السيناوية ، حيث الحفاظ علي التراث السيناوي وحمايته ضرورة قصوي ، ولأن القضاء العرفي جزء من هذا التراث وجب علين توثيقه وسرده في هذا الكتاب تحت عنوان ” التقاضي العرفي في سيناء – بين الأصالة والمعاصرة – “

 وقد قسمته إلي أحد عشر فصلا : الفصل الأول بعنوان ” سيناء الموقع والمكان ” ، والثاني بعنوان ” المجتمع والتقاضي العرفي ” ، والثالث بعنوان ” معايير اختيار القضاة وسماتهم ” ، والرابع ويتناول ” إجراءات التقاضي وتخصصات القضاة ” ، والخامس يتناول ” التقاضي العرفي وحقوق الإنسان ، والفصل السادس ويشمل أساليب إثبات الجرائم في التقاضي العرفي وقواعد مخالفة القانون العرفي ، والسابع يتناول دراسة مقارنة لبعض القضايا ف ضوء الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي والتقاضي العرفي ، والثامن ويتناول الأمثلة المتداولة وشرائع أهل سيناء ، والفصل التاسع وأذكر فيه نماذج تطبيقية لقضايا من القضاء العرفي ، والعاشر ويتحدث عن القضاء العرفي بين الواقع والمستقبل ، أما الحادي عشر ففيه القاموس اللغوي للتقاضي العرفي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى