الدكتور سليمان عباس البياضي يكتب قصة “الحشاشين”

لابد من مواجهة الفكر بالفكر، يحدثنا التاريخ عن أعنف حركة إرهابية كان هدفها الأول هو الاغتيال. ومن أجل السعي وراء السلطة والمال والشهوة وغياب العقل، كانت هذه الحوافز التي تحرك أتباع هذه الحركات الارهابية، وقد تم استخدام هذه الحركة من قبل السياسيين للتخلص من خصومهم، وعن طريق منهجية الفكر الإرهابي عند حسن الصباح مؤسس الطائفة الإسماعيلية النزارية الشرقية وهم الحشاشون .

  • الحسن الصباح حياته ونشأته :
  • ولد في مدينة قُم جنوب طهران عام(430هـ – 1037م)، وهي معقل الشيعة الاثني عشرية، وقد أخذ المذهب عن والديه، وبقي متمسكاً بتعاليمه حتى انتقلت عائلته إلى الريّ وعمره 17 سنة.
    انضمام حسن الصباح إلى طائفة الإسماعيلية
    كانت الريّ مركز الطائفة الإسماعيلية، فتأثر الصباح بأفكارهم وانضم إليهم وبايعهم، وأخذ يتدرج في المناصب، فلما بلغ الثلاثينات من عمره لم يبق أمامه إلا مبايعة زعيم الطائفة “عبد الملك بن العطاش”، الذي رأى فيه بذرة حسنة يمكن له استغلالها، فقد كان بارعاً في الفلسفة والحساب والهندسة والفلك والسحر وغيرها، إضافة للعلوم الشرعية.فعينه نائباً له، ثم بعثه إلى مصر وعاش في بلاط الخليفة الفاطمي ثلاث سنوات.
    المستنصر بالله وبدر الدين الجمالي وكان عصر المستنصر بالله يشهد تدهوراً اقتصادياً وانفلاتاً أمنياً وسياسياً، لم يستطع المستنصر ضبط مصر من خلاله، فاستنجد بقائده حاكم عكا “بدر الدين الجمالي” فلبى بدر الدين الطلب.وقدم مصر فأعاد الأمن لها، واستقرت في فترة حكمه، وصار هو المتحكم بالقرارات، فلم يعجب حسن لهذا الأمر، لأن المستنصر كان أميره، فأدى ذلك لاحتكاك وتماس مباشر بين الصباح وبدر الدين، فما كان من بدر الدين إلا أن سجنه في الإسكندرية، ثم طرده من مصر.
  • علاقة حسن الصباح ونظام الملك السلجوقي :
  • وكان السلاجقة يحكمون بلاد فارس، وهم اتباع المذهب السني، “نظام الملك” كان وزير الدولة السلجوقي العادل، وكان يحارب المذاهب الفكرية الباطنية، فأنشأ مجامع علمية، ومدارس راقية عرفت بالمدارس النظامية.واستجلب أفضل العلماء والشيوخ، ليواجه بهم الفكر المتطرف، من بينهم الشيرازي والغزالي، وتلاميذ هذه المدارس كان لهم دور في بناء جيل صلاح الدين الأيوبي محرر القدس.توجه حسن الصباح إلى أصفهان سنة (1081)، وبنى علاقة قوية مع الوزير نظام الملك، الذي أعجب بعلم حسن الصباح وقدراته، فقربه وأكرمه ولم يكن يعرف بخبايا ومعتقدات الصباح الهدامة.
    عاش الصباح في كنف نظام الملك (9) سنوات، مخفياً هويته واعتقاده، لكنه لم يفتر عن الدعوة لهذه المعتقدات بعيداً عن المدن، فتوجه إلى القرى النائية، في مجتمعات الفلاحين والبدو، فأخذوا يقتنعوا بأفكاره، وانتشرت دعوته في الأرياف
    وفي مصر التي كان يحكمها بدر الدين، بعد وفاته استلم ابنه “الأفضل” وخلف والده في نهجه، فلما مات الخليفة الفاطمي المستنصر، قام الأفضل بمبايعة ابن الخليفة المستنصر ويدعى “المستعلي”.رغم أن ولي العهد كان ابن المستنصر الأكبر “نزار”، لكن “الأفضل” نصب المستعلي لأنه كان ابن أخت بدر الدين، فانقسمت الإسماعيلية في مصر إلى فرقتين:
  • أولاهما : الإسماعيلية المستعلية نسبة للمستعلي.
    الثانية : الاسماعلية النزارية نسبة لنزار.
  • وأعلن حسن الصباح أنه يدعم نزار في خلافته، وأخذ يدعو له في المشرق، فكان حسن هو مؤسس الإسماعيلية النزارية في بلاد المشرق، وأصبح زعيمًا على هذه الطائفة في كل المشرق.
    قام أتباع الحسن بنشر دعوة الإسماعيلية النزارية في كل مكان، فذاع صيتهم وأخذوا بمناظرة العوام، ثم حدث أن ناظروا مؤذناً لأحد المساجد فأقام عليهم الحجة، فخافوا من افتضاح أمرهم بين العوام.
    فلجؤوا إلى قتله وكانت هذه أول عملية اغتيال بحق من يخالفهم أو يهدد وجودهم، فلما وصل الخبر إلى نظام الملك وانكشف الصباح، أصدر أمراً بملاحقة الصباح وأتباعه.
    حسن الصباح وشراء قلعة الموت والحشاشون
    بعد مطاردة السلاجقة له، لم يجد حسن الصباح حماية أفضل من قلعة الموت المنيعة، حيث إنها حصن قديم ارتفاعها يزيد عن (2,000) متر، ولا يوجد طريق لها غير طريق واحد فقط، وهو ما أعطاها القوة والحصانة لتكون مركز للدعوى وحصن للحماية.
    حيث أن الطريق المؤدي لها شديد الوعورة والانحدار. وأي شخص سيحاول مهاجمتها واقتحامها سيكون موته لا محالة وخسارته كبيرة عند المواجهة وقطع الطريق عليه.
  • وصف قلعة الموت : هي كلمة فارسية وتعني عش النسر، وقد اشتراها الصباح من أميرها ب(3,000) آلاف دينار ذهبي.
    كانت تدريباتهم على:السمع والطاعة العمياء،فنون القتال.
    فنون التخفي والتورية.
  • سبب تسمية الحشاشون بهذا الاسم :
    قيل عن هذه القلعة: أن فيها حدائق تشبه حدائق الجنة، وقيل أنهم كانوا يأتون بمن يريد تنفيذ عملية اغتيال، فيعطوه جرعة من الحشيش، ثم يجلسوه تحت أشجار الحديقة، ويجلبوا له الجواري الحسان.
    ويقولون له أن هذه الجنة، وأنه سيعود إليها بعد تنفيذ المهمة الموكلة إليه، ومنها أخذوا لقب الحشاشين، نسبة للحشيش المعطى لهذا المضلل.
    لكن من باب الإنصاف للخصوم، فهذا ليس له أساس من الصحة، فمن زار القلعة يجد أن الثلوج تكسوها طيلة (7) شهور، وأنهم اكتسبوا تسمية الحشاشون من لفظة أطلقها الغرب على هذه الطائفة، يقصدون بها فرقة منفذوا الاغتيالات، لكنها لما عُرّبت أصبحت تلفظ حشاشون.
    علاقة حسن الصباح باغتيال الوزير نظام الملك
    قام نظام الملك بإرسال جيش للقضاء على الحسن وأتباعه في القلعة، لكنه لم ينجح لأنها كانت حصينة كما مرّ ذكرها، فأصبح نظام الملك هو العدو الأول للصباح، فأخذ يخطط لأكبر اغتيال في ذلك الوقت، اغتيال الوزير السلجوقي، فأرسل إليه رجلاً على هيئة صوفي، فدنا منه وسلمه رسالة.فلما بدأ نظام الملك بقرائتها، قام هذا الرجل بطعن الوزير، وقال له هذه هدية من شيخ الجبل السيد حسن الصباح، لم يُقتل هذا الرجل لأن نظام الملك عفا عنه، ثم استشهد هذا الوزير الصالح.
    ثارت الدولة السلجوقية على طائفة الحشاشين، وأرسلوا جيشاً ضخماً للقضاء عليهم، لكن لم يستطع أن يفعل شيئاً لمناعة القلعة، فعاد أدراجه، لكن الحسن قام بهجوم عكسي واغتال ابن نظام الملك ” فخر الملك”.
    وأطلق على الجماعة فيما بعد اسم “القاتل المأجور”، إذ لم تبق اغتيالاتهم محصورة بمن خالفهم، أو عادى دعوتهم، بل أصبحوا مرتزقة تدفع لهم الأموال ليقوموا باغتيالات لا علاقة لهم بها، وزير الدولة السلجوقية “نظام الملك”.وزير الدولة السلجوقية “فخر الملك” ابن نظام الملك.
  • وفاة حسن الصباح :
    مكث حسن الصباح باقي حياته في هذه القلعة حتى توفي عام (1124)، وكان يقضي وقته بها في وضع الخطط ومراسلة الدعاة الذين ينشرون الدعوة في جميع الأقطار، لم يترك وريثاً له لعدم وجود أولاد له، لكنه خلف كتابين: أحدهما يتحدث عن حياته الشخصية، والآخر عن الإلهيات.الحشاشين بعد حسن الصباح خلفه “بزرك أميد” في زعامة الطائفة، وسار على نهج الصباح في الإرهاب وسياسة الاغتيالات.
  • أشهر اغتيالات الحشاشين :
    1- نظام المُلك
    كان نظام المُلك وزيراً في الدوله السلجوقية . وفي آخر أيامه، بدأ القائد النزاري حسن الصباح باختراق القلاع الجبلية المنعزلة والاستيلاء عليها، وكان منها قلعة آلموت الحصينة. فصمّم نظام المُلك على مواجهة هذا الخطر .
    في العام 1092، تقدّم عابرُ سبيل صوفيّ من هودج نظام المُلك؛ ، فطلب من الرجل أن يقترب. وفي الحقيقة لم يكن الرجل سوى قاتل من الحشاشين طعن نظام المُلك بخنجر كان يُخفيه. ووفقاً لرواية ابن خلّكان، فقد حاول القاتل الهرب لكنه تعثّر بحبلٍ، فأدركه حرّاس الوزير وقتلوه.
    2-ريمون الثاني كونت طرابلس
    عند وصول الصليبيين للأراضي المقدسة، سرعان ما علِموا بوجوب الحذر من الحشاشين. ويُعتقد أن أول ضحاياهم من الأوروبيين المميّزين هو كونت طرابلس ريمون الثاني.
    ، ولبذاءة طباع ريمون، نشب خلاف بينه وبين زوجته التي أرسلت في طلب أختها ميليسيندا ملكة القدس. وقامت الملكة باستخدام سلطتها وفرضت على ريمون ترك أختها تعود معها إلى القدس. رافقهم ريمون لعدّة أميال ثم قفِل عائداً إلى طرابلس.
    وعند مروره عبر البوابة، دخل في ممرّ ضيّق بين الحصن الأمامي والجدار حيث قبع حشاشان في انتظاره. ولعجز معظم حرّاسه عن الوصول إلى المكان، كان ريمون قد طُعن حتى الموت مع فارسَين آخرَين. وما تزال دوافع عملية اغتياله مجهولة.
    3- كونراد دي مونفيراتو (كونراد الأول، ملك القدس)
    باغتيالهم كونراد دي مونفيراتو أرسى الحشاشون دعائم سمعتهم في أوروبا. كان كونراد محارِباً شديد البأس، وبُعَد تتويجه ملكاً على القدس كمَن له قتيلاً حشاشان أرسلهما رشيد الدين سنان، المُلقّب بـ”شيخ الجبل” مُترأّس حشاشي سوريا.
    وتبقى مجهولةً دوافعُ رشيد الدين لقتل كونراد. لكن النظرية الأكثرُ تداولاً هي أن اغتيالَ كونراد جاء بتفويضٍ من خصمه ريتشارد قلب الأسد. وفي طريق عودته من الحروب الصليبية، أُلقي القبض على ريتشارد في ألمانيا واتُّهِم بمقتل كونراد.
    ولحسن حظ ريتشارد، وصلت رسائل لعدّة حكام أوروبيين من شخصٍ يزعم أنّه رشيد الدين. وضّحت الرسالة كيف أن رشيد الدين أمر بقتل كونراد لاستيلائه على سفينةٍ تخصّ الحشاشين. وليس مفاجِئاً أن أغلب المؤرخين المعاصرين يعتقدون أن الرسالة زيّفها أنصار ريتشارد، وخصوصاً أن رشيد الدين كان متوفىً وقتها!
    4- مودود بن التونتكين أمير الموصل
    إجمالاً، فقد أفادَ الحشاشون الصليبيين أكثرَ مِمّا أعاقوهم، كونَ خصومهم الرئيسيين كانوا دائماً من المسلمين الآخرين. حتى أنّ رشيد الدين سنان اقترح إقامة حلفٍ مع ملك القدس عموري الأول. ولكن رسولَه قُتِلَ على يد فرسان الهيكل الذين
    وبعد أن سقطت القدس في الموجة الأولى من الحروب الصليبية، أرسل السلاجقة قوّة لاستعادتها تحت إمرة مودود أمير الموصل. ولكن قوبلت هذه الحملة بالرفض من قِبل الحاكمَين المسلمَين رضوان ملك حلب وأمير دمشق ظاهر الدين طغتكين اللذان شعرا بالتهديد السلجوقي أكثر من الصليبي.
    وللريبة، فكلا الحاكمَين كان على صِلات جيدة بالحشاشين.
    اغتيل مودود في دمشق على يد الحشاشين، ما أنهى حملته. ولم يتقبّل عوام المسلمين هذه الجريمة، وفي نهاية المطاف قاموا بطرد الحشاشين من كِلا المدينتين.
    5-الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله
    .وقد شهدت الأروقة الفاطمية في العقود التالية العديد من عمليات الاغتيال عن الطريق الحشاشين وانتحاريتهم، ، كاغتيال الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله عام 524 هـ (1130م) والذي كمن له تسعة من النزارية المتسللين من بلاد فارس، ووثبوا عليه بالسكاكين في جزءٍ من الثانية غفل فيه عنه حرسه الخاص أثناء رسوه على إحدى جزر النيل كانت مخصصة للاحتفال، وبالطبع كالعادة قُتلت فرقة الاغتيال عن بكرة أبيها في الدقيقة التالية لتلك العملية الانتحارية.
    كانت المفارقة، أنه قبل 9 أعوام، قُتِل الوزير الأفضل بن بدر الجمالي قاتل نزار، بأسلوبٍ شبيه بأساليب النزارية، ولكن كان هذا بأمر الخليفة الآمر بأحكام الله، والذي كان ابن المستعلي الذي أقامه الأفضل بدلًا من نزار. انقضّ على الأفضل 4 من المهاجمين في وضح النهار في آخر أيام رمضان من عام 515 هـ، مستغلين غفلة خاطفة من حرسه أثناء انشغال موكبه بتوزيع الصدقات، واعتوروه بالسكاكين، قبل أن يفيق الحرس ويفتكوا بثلاثة منهم ويفر الرابع. محاولة اغتيال صلاح الدين
    وقعت أولى محاولة الحشاشين لاغتيال صلاح الدين في ديسمبر 1174، حينما كان يحاصر حلب، حيث تمكن بعض الحشاشين من التسلل إلى معسكره وقتل الأمير أبو قبيس ولكن نجى صلاح الدين.
    وحدثت المحاولة الأخرى في 22 مايو 1176، تنكر عدد من الحشاشين في زي جيش صلاح الدين وتسللوا إلى معسكره في عزز حينما كان يحاصرها، وتمكنوا من قتل العديد من الأمراء ولكن صلاح الدين نفسه لم يصب سوى بجروح بسيطة
    لنهاية على يد بيبرس
    في عام 1265، أمر الظاهر بيبرس بجمع الضرائب والرسوم على الحشاشين، وتحكم في تعيين رؤساء الطائفة وعزلهم، وأصبح الرئيس ممثل لبيبرس يطيعه وينفذ أوامره بعيدا عن أهداف الطائفة، وفي عام 1270 استاء بيبرس من موقف رئيس الحشاشين المسن نجم الدين فخلعه وعين بدله سريم الدين مبارك، واسثنيت مصيف من سلطته وجعلت تحت السيطرة المباشرة لبيبرس ولكن سريم الدين استطاع أن يضم مصيف إلى أملاكه فعزله بيبرس وجاء به سجينا إلى القاهرة حيث مات مسموما.
    واستولى بيبرس عام 1271على قلعتي العليقة والرصافة، وسقطت قلعة الخوابي في العام نفسه لتسقط بقيه القلاع عام 1273 لتنتهي بذلك دولة الحشاشين في بلاد الشام
  • نهاية الحشاشين
    استمر إرهاب طائفة الحشاشين حوالي (200) سنة، أي قرنين من الزمان، حتى احتل هولاكو بغداد وقضى على الخلافة العباسية، واحتل قلعة الموت، وأحرقها وقضى على شوكتهم في الشرق، ثم أكمل الظاهر بيبرس مسيرة القضاء عليهم في الشام فاستأصل شوكتهم سنة (1273).
    الفكر هو الذي يوجه السلوك: فالفكر السليم ينتج سلوكاً حسناً، والفكر السقيم ينتج سلوكاً سيئًا.
    الإرهاب هو سلاح أرباب الفكر الخالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى