صلاح البلك يكتب : استعادة الوعي العربي

تمكن الصهاينة طوال العقود الماضية من تغيير الوعي العربي وتغييب قضاياه المصيرية عن أجيال لا تملك القدر الكافي من المعلومات عن طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي الذي لن ينتهي بالسلام الزائف الذي تسوق له الولايات المتحدة وإسرائيل وسيحسم حتماً لصالح أصحاب الأرض والحق الذين يخوضون الحرب تلو الأخرى ويدفعون الدم والروح ولا يقبلون الهزيمة .
خطة محكمة استطاعت بموجبها جماعات الصيونية العالمية العمل على مواقف الحكومات العربية والعديد من الدول الإسلامية التي قبلت توقيع معاهدات للسلم وهو أمر متوقع من الساسة ،إلا أن النجاح الأكبر تمثل في التأثير على مواقف الأجيال الجديدة من الشعوب العربية التي تبنت خطاب ” الانتماء المحدود ” وتطرف البعض منهم في الانتماء للدولة القطرية رافضاً أي ارتباط بقضية العرب المصيرية والتي قدمت كل الشعوب في سبيلها خيرة شبابها وأموالها قبل أن ترى هذه الأجيال النور بعقود.
مع كل معركة وقصف واجتياح تطالعنا أقلام ووجوه عربية بحكايات وآراء غريبة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أننا بصدد خلل في الرؤيا ونقص في المعلومات “إذا افترضنا حسن النوايا” لدى قطاع عريض من العرب ،وصل الأمر بالبعض منهم أن يرى ويسوق على غير الحقيقة أن الصراع ” إسرائيلي فلسطيني ” وبلغت الجرأة من البعض أن يهاجم من يخالفه الرأي دون مراعاة لقواعد الاختلاف بل وتتشابه مبرراتهم وأطروحاتهم مع الطرح الإسرائيلي وقد يصل الأمر إلى استنكار بعض ما يصيب المدنيين الإسرائيليين خلال المعارك دون أدنى إشارة لما ترتكبه إسرائيل من مجازر في حق الفلسطينيين ما يثير الشك حول حقيقة عروبتهم .
كشفت وسائل التواصل عن الظاهرة التي انتشرت وصارت تشكل خطراً مستقبلياً حقيقياً على وحدة الموقف العربي ،ما عليك سوى التجول بين الصفحات لتكتشف أننا أمام حدث جلل أخطر من أي هزيمة ، هؤلاء يقدمون انتصاراً مجانياً في وقت انتصرت فيه المقاومة وبثت في قلوبهم الرعب وكاان من المفترض أن نواجه الانحياز الغربي والتشويه المتعمد لنضال الشعب الفلسطيني بأقلام هؤلاء وغيرهم .
جاء ” طوفان الأقصى ” ليمنحنا فرصة استكشاف حقيقة الموقف الفكري لقطاع مهم من الشباب العربي بل ويدفع الى المقدمة أهمية استعادة مكانة القضية في وعي الجمهور العربي بعد أن غابت عنه وتراجعت من حيث الأولوية ودانت السيطرة لجهات تتبنى الخطاب الصهيوني ونجحت في الوصول إلى ما لم تتخيله عبر سنوات مثل خلالها قطاع الشباب العدو الأول وها هي تخترقه بل وتستخدمه في صناعة صياغات بمفاهيم تخدم مصالحها وتتناسي تاريخهم الطويل المليء بالقتل والترويع والإرهاب.
حرصت بنفسي على استطلاع مواقف العديد من خلال ما كتب على صفحاتهم أو من خلال التواصل المباشر وهالني موقف البعض المتردد من تأييد فعل المقاومة بل وعدم وضوح المفهوم بحد ذاته ، وكان صادماً حديث البعض عن التجاوزات الفلسطينية خلال العمليات العسكرية والتي تأتي كرد فعل لما ترتكبه القوات الإسرائيلية ..ولعل خطاب بعض الكتاب من الإسرائيليين أفضل بكثير من هؤلاء ولعل من أفضل المقالات في الصحافة العالمية عن معركة طوفان الأقصى مقال الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في أشهر صحيفة إسرائيلية ” هآرتس ” وفيها من الأنصاف والتجرد الكثيرحيث أرجع ما يحدث إلى تجاوزات إسرائيل وغطرستها وعدم محاسبتها على ما ارتكبته من جرائم : ” منذ 1948 واسرائيل تعاقب غزة.. أمس رأت اسرائيل صورًا لم تتوقعها في حياتها، بسبب غطرستها وراء كل ما حصل، هي الغطرسة الإسرائيلية. إعتقدنا بأنه مسموح لنا أن نفعل أي شيء، وأننا لن ندفع ثمنًا ولن نعاقب على ذلك أبدًا. نواصل دون تشويش. نعتقل، نقتل، نسيء معاملة، نسلب، نحمي مستوطِني المذابح، نزور قبر يوسف، وقبر عثنيئيل، ومذبح يشوع، وكلها في الأراضي الفلسطينية، وبالطبع نزور جبل الهيكل – أكثر من 5000 يهودي في العرش-. نطلق النار على الأبرياء، نقتلع عيونهم ونهشّم الوجوه، نرحّلهم، نصادر أراضيهم وننهبهم، ونخطفهم من أسرّتهم، ونقوم بتطهير عرقي، أيضًا نواصل الحصار غير المعقول على غزة، وكل شيء سيكون على ما يرام “..
تتحمل الحكومات العربية المسؤولية الكاملة عن هذا القصور في ظل غياب خطط طويلة المدى تستهدف مقاومة هذه الاختراقات الفكرية التي غالباً ما تقود من يتبناها الى مراحل يقبل فيها التعامل والتعاون العلني من أجل خطابات واهية تتعلق بالسلم والحفاظ على فرص التعايش وما هي إلا خطوات على طريق العمالة .
من الواضح أن الأعتماد على الأحداث والمعارك مع الصهاينة في تجديد وعي الشعوب بالمخاطر المحدقة بها لا يناسب زماننا ولا يصلح وحده في الحفاظ على درجة كافية من الوعي لدى الشباب في كل البلدان العربية الذين حرموا من تكوين تصوربخصوص العدو الحقيقي .
استعادة الوعي لدي العرب تكتسب أهمية لا تقل عن بناء الجيوش وتستوجب تنفيذ سلسلة من التحركات من شأنها مواجهة مخططات كادت تفرض سيادتها على المشهد بشكل كامل بما يحقق للأعداء كل أهدافهم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى