اشرف محمدين يكتب : الاحتراف .. بين الحلم والواقع وتأثيره على المنتخب الوطنى

 

في كل مرة يسطع فيها نجم مصري في الملاعب الأوروبية، يتجدد الحديث عن الاحتراف، هل هو الحل السحري لتطوير الكرة المصرية؟ أم أن الاحتراف الخارجي يستهلك مواهبنا دون أن تعود بالفائدة على المنتخب؟ وهل منظومة الاحتراف لدينا حقيقية أم شكلية؟

مفهوم الاحتراف: هل نمتلكه فعلًا؟

الاحتراف لا يعني فقط انتقال اللاعبين من نادٍ إلى آخر بمقابل مادي، لكنه منظومة متكاملة تشمل التطوير البدني، التكتيكي، والنفسي للاعب، بالإضافة إلى الالتزام الكامل بأسس الاحتراف مثل الانضباط الغذائي، التدريبي، والالتزام بالسلوك الاحترافي داخل وخارج الملعب.

في أوروبا، الاحتراف يبدأ من مراحل الناشئين، حيث يتم إعداد اللاعب منذ الصغر على تحمل ضغوط المباريات، والالتزام بأسلوب حياة معين يتناسب مع كونه رياضيًا محترفًا. أما في مصر، فمعظم اللاعبين لا يتعلمون ذلك إلا بعد الاحتراف الخارجي، ما يجعل بعضهم يعاني في البداية قبل أن يتأقلم على المستوى العالي.

واقع الاحتراف في مصر: بين الطموح والمصالح الشخصية

الاحتراف في مصر يُدار غالبًا بعقلية المقاولات، حيث يكون الهدف الأساسي هو تحقيق المكاسب المالية دون النظر إلى تطوير اللاعب أو الاستفادة الحقيقية من تجربته. نرى وكلاء اللاعبين يضغطون على الأندية لتسويق لاعبيهم، حتى لو كان الانتقال إلى دوري ضعيف، فقط من أجل كلمة “محترف”.

كثير من اللاعبين المصريين يفضلون البقاء في الدوري المحلي بسبب الراحة المادية والمعيشية، مما يقلل من فرص احترافهم الحقيقي. كما أن بعض الأندية المصرية تضع شروطًا تعجيزية أو ترفض العروض الاحترافية خوفًا من فقدان نجومها، مما يعرقل مسيرة اللاعبين الطامحين لخوض تجارب خارجية.

تأثير الاحتراف على المنتخب المصري

منذ أن أصبح لدينا عدد من المحترفين في أوروبا، شهد المنتخب المصري تطورًا ملحوظًا، حيث بات لدينا لاعبون قادرون على اللعب في دوريات قوية مثل الدوري الإنجليزي والإسباني. محمد صلاح هو النموذج الأبرز، حيث رفع سقف الطموحات وأثبت أن اللاعب المصري قادر على التواجد بين الأفضل عالميًا.

لكن في المقابل، هناك تساؤلات حول مدى تأثير الاحتراف على روح الانتماء للمنتخب، فبعض اللاعبين المحترفين يفضلون التركيز مع أنديتهم، ويتحججون بالإرهاق أو الإصابة لعدم المشاركة مع المنتخب. كما أن انسجام المحترفين مع اللاعبين المحليين أصبح تحديًا كبيرًا بسبب اختلاف أساليب اللعب والإعداد البدني بين الطرفين.

إيجابيات وسلبيات الاحتراف

الإيجابيات:
• رفع مستوى اللاعب فنيًا وبدنيًا من خلال الاحتكاك بمستويات أعلى.
• تحسين عقلية اللاعب وتطوير التزامه الاحترافي.
• زيادة قيمة اللاعبين المصريين عالميًا.
• استفادة المنتخب من خبرات المحترفين.

السلبيات:
• صعوبة تأقلم بعض اللاعبين المصريين مع الاحتراف الخارجي بسبب ضعف الإعداد.
• عدم وجود متابعة حقيقية للاعبين المحترفين من اتحاد الكرة المصري.
• تأثير الضغوط المالية والعائلية على قرارات بعض اللاعبين، مما يجعلهم يعودون للدوري المصري سريعًا.

نماذج من الاحتراف المصري: نجاح وفشل

محمد صلاح هو النموذج المثالي للاحتراف المصري، بدأ من بازل السويسري وانتقل تدريجيًا حتى أصبح نجمًا عالميًا في ليفربول. لكن هناك أمثلة أخرى للاعبين احترفوا ثم عادوا سريعًا دون تحقيق نجاح يُذكر، مثل شيكابالا في سبورتنج لشبونة، أو كهربا في السعودية، حيث لم يستطيعوا الاستمرار بسبب مشكلات فنية أو سلوكية.

كيف نطور منظومة الاحتراف في مصر؟

لكي يكون الاحتراف إضافة حقيقية للكرة المصرية، لا بد من:
1. إعداد اللاعبين مبكرًا عبر تطوير أكاديميات الناشئين وإدخالهم في معسكرات احترافية منذ الصغر.
2. تغيير فكر الأندية المصرية بحيث يكون لديها استعداد لبيع اللاعبين للخارج دون شروط تعجيزية.
3. متابعة المحترفين المصريين بشكل دوري من قِبل الاتحاد المصري لكرة القدم لضمان تطورهم والاستفادة منهم مع المنتخب.
4. توعية اللاعبين بأهمية الاحتراف الحقيقي والالتزام بأسلوب حياة احترافي، حتى لا يتكرر سيناريو الاحتراف الفاشل.

ختامًا

الاحتراف الحقيقي ليس مجرد عقد مادي أو تجربة قصيرة في دوري ضعيف، بل هو رحلة طويلة من الالتزام والتطور، وإذا أردنا أن نصبح قوة كروية عالمية، علينا أن نجعل الاحتراف هدفًا استراتيجيًا وليس مجرد صدفة يحققها لاعب أو اثنان. فمتى نشهد منظومة احتراف حقيقية ترفع من شأن الكرة المصرية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى