اشرف محمدين يكتب : الرياضة كقوة ناعمة.. بين الدبلوماسية الدولية وتسكين الاحتقان الداخلى

في عالم تتشابك فيه السياسة مع كل تفاصيل الحياة، لم تعد الرياضة مجرد منافسة داخل الملعب، بل تحولت إلى أداة فعّالة تستخدمها الدول لتوجيه الرسائل، وتحسين الصورة الذهنية، والتأثير على الداخل والخارج. لم تعد القوة الصلبة وحدها كافية لفرض الهيمنة أو تعزيز النفوذ، بل باتت “القوة الناعمة” سلاحًا استراتيجيًا لا يقل خطورة ولا أهمية. وفي مقدمة أدوات هذه القوة: الرياضة.
الدبلوماسية الرياضية… صورة ناعمة لقوة صلبة
شهدنا في العقود الأخيرة توجهًا واضحًا من الدول نحو استخدام الرياضة كمنصة دبلوماسية. تنظيم البطولات الكبرى كالأولمبياد، وكأس العالم، وبطولات القارات، لم يعد فقط هدفًا رياضيًا، بل سياسيًا بامتياز. فالدولة التي تستضيف حدثًا رياضيًا عالميًا، تُسلط عليها الأضواء، وتُمنح فرصة لإبراز تطورها، وانفتاحها، وقدرتها على التنظيم والانضباط.
ولنا في قطر مثال حيّ حين استضافت كأس العالم 2022، وكيف تحولت الأنظار كلها إلى الخليج، ليس فقط كمنطقة نفط، بل كمركز رياضي عالمي قادر على منافسة أعرق دول أوروبا.
الرياضة كأداة تهدئة داخلية
ليس على مستوى السياسة الخارجية فقط، بل إن الرياضة أيضًا أثبتت قدرتها على امتصاص الاحتقان الداخلي، وتوحيد الشعوب خلف منتخب أو فريق. حين تعصف الأزمات الاقتصادية أو السياسية بالدول، كثيرًا ما نجد الملاعب ممتلئة، والجماهير متحمسة، وكأنها تبحث في الرياضة عن “مهرب مؤقت” من الواقع المليء بالضغوط.
وفي لحظات الانتصار الرياضي، تذوب الفوارق الطبقية والعرقية والدينية، ويتوحد الشعب خلف راية واحدة، يهتف باسم الوطن، ويبتسم حتى ولو كانت الحياة بالخارج لا تحتمل الكثير من الابتسام.
الوجه الآخر… عندما تتدخل السياسة في الرياضة
ورغم هذه الأدوار الإيجابية، إلا أن العلاقة بين الرياضة والسياسة ليست دائمًا وردية. فحين تتدخل الحكومات بشكل مباشر في القرارات الرياضية، أو تُسيس البطولات، يُفقد المجال الرياضي جوهره النقي. ناهيك عن استخدام بعض الأنظمة للانتصارات الرياضية كـ “مخدر جماهيري” يلهي الشعوب عن الأزمات الحقيقية.
الإعلام الرياضي… شريك في توجيه الوعي
لا يمكن إغفال دور الإعلام في دعم هذا التوجه. فالإعلام الرياضي لم يعد ناقلًا للأهداف والنتائج فقط، بل بات منصة تحليل وتأثير، تُصنع فيها السرديات، وتُعزز فيها الشعارات الوطنية. والذكي هو من يستخدم هذه الأداة بعقلانية، دون أن يسقط في فخ التهويل أو التسييس الفج.
في الختام…
الرياضة اليوم لم تعد لعبة فقط، بل ورقة بيد صانع القرار السياسي، يستخدمها تارة لتجميل الصورة، وتارة لتوحيد الداخل، وتارة لصرف الأنظار عن الأزمات. وبين هذا وذاك، يظل السؤال: هل نستخدم الرياضة بحكمة، أم نحرقها بين فكي السياسة والإعلام؟