أشرف محمدين يكتب : التحكيم في مهب العاصفة.. أزمة عدالة الملاعب بين الواقع والمأمول

في عالم الرياضة، تمثل العدالة جوهر التنافس الشريف، والأساس الذي تقوم عليه روح اللعبة. ولعل أكثر من يجسد هذه العدالة — أو يُساء إليها — هو “الحكم”. فبين صفارته وقراراته، تتشكل ملامح المباريات وتُرسم مصائر الفرق. إلا أن ما نعيشه اليوم من تراكمات في الأخطاء التحكيمية، يضعنا أمام أزمة حقيقية تستدعي التوقف والتأمل.
لقد بات التحكيم أحد أعقد ملفات الرياضة الحديثة، لا سيما في كرة القدم، حيث تحوّلت أخطاء الحكام من مجرد “هفوات بشرية” إلى قرارات مصيرية قد تُقصي فريقًا من بطولة أو تُتوج آخر دون وجه حق. وظهر ذلك جليًا في عدد من المباريات المهمة، كان آخرها ما حدث في لقاء برشلونة ضد إنتر ميلان، حيث أثار أداء الحكم تساؤلات كثيرة حول مدى عدالة القرارات ودقة استخدام تقنيات الفيديو.
هل أصبح “التحكيم” هو الحلقة الأضعف؟
من المؤسف أن تتطور أدوات اللعبة وتتقدم التكنولوجيا وتظل العدالة غائبة في كثير من المناسبات. تقنية الـVAR، التي وُعدنا بها كطوق نجاة للعدالة، تحوّلت في أحيان كثيرة إلى أداة تزيد الغموض بدلًا من أن ترفع الظلم. لماذا يُحتسب التسلل في لقطة مماثلة، ويُتغاضى عنه في أخرى؟ لماذا تُراجع بعض الحالات ولا تُراجع أخرى؟ من يحدد معايير التدخل، ومن يحاسب المخطئ؟
إننا نواجه أزمة ثقة، لا فقط بين الفرق والحكام، بل بين الجماهير واللعبة ذاتها. حين يشعر الجمهور أن فريقه لا يخسر لأن الطرف الآخر كان أقوى، بل لأن الحكم لم يكن منصفًا، فإننا نضرب بجوهر الرياضة عرض الحائط.
الظلم التحكيمي… حين يُصبح مؤلمًا ومتكررًا
لا أحد يطلب من الحكام أن يكونوا ملائكة، ولا أن يخلو عملهم من الأخطاء، فهم بشر في نهاية المطاف. لكن تكرار الظلم ضد نفس الأندية أو المنتخبات، خاصة في المراحل الحاسمة من البطولات، يفتح الباب أمام التشكيك، ويدفعنا للتساؤل: هل نحن أمام أخطاء طبيعية؟ أم أن هناك ما هو أبعد من ذلك؟
برشلونة، على سبيل المثال، تكرر شعوره بالظلم التحكيمي في أكثر من مناسبة أوروبية و إسبانية خلال السنوات الأخيرة،واخرها إنتر ميلان. حتى وإن لم تكن كلها حالات متعمدة، فإن تكرارها بنفس الشكل يخلق حالة من الإحباط، ويفتح الجراح.
ما الحل؟ الإصلاح أم إعادة البناء؟
لا يكفي أن ننتقد الحكام أو نطالب باستبدالهم. الحل الأعمق يكمن في إعادة هيكلة منظومة التحكيم نفسها. من اختيار الحكم، إلى تدريبه، إلى محاسبته علنًا حين يخطئ. فكما تُحاسب الفرق والمدربين واللاعبين، يجب أن يخضع الحكام للمساءلة العلنية.
نريد حكمًا نثق في نزاهته قبل كفاءته، نريد قرارات مفهومة وليست غامضة، ونريد تقنية تساعد اللعبة لا تفسدها.
التحكيم ليس خصمًا في الملعب، بل يجب أن يكون ضمانًا للعدالة. لا نريد أن نُحرم من متعة اللعبة بسبب صافرة ظالمة، أو قرار عشوائي. لا نريد أن نُسحق تحت عباءة “الخطأ البشري” كلما وقع ظلم جديد. فحين تغيب العدالة، تفقد الرياضة معناها، وتصبح البطولة بلا طعم، والفوز بلا قيمة.