الدكتور نشأت إبراهيم يكتب : الإيجار القديم بين الواقع والمأمول

بقلم الدكتور نشأت إبراهيم :
دكتوراه في التخطيط الإستراتيجي
دكتوراه فى القانون الدولي الخاص
يُعد قانون الإيجار القديم أحد أبرز القضايا القانونية والاجتماعية المُثارة في الدولة المصرية،
حيث ترتبط به شكاوى متكررة من الملاك وشعور بالظلم المزمن بسبب إستمرار عقود إيجار ثابتة منذ عشرات السنين بأسعار رمزية،
بينما ترتفع أسعار العقارات والخدمات بشكل كبير، وفي المقابل، يخشى المستأجرون من التهديد بفقدان مساكنهم في حال تعديل القانون دون مراعاة أوضاعهم الاقتصادية،
ومن هنا، تنشأ معادلة صعبة تتطلب حلولًا متوازنة تحقق العدالة الإجتماعية وتحترم حقوق الملكية
وحماية الملكية الخاصة وحق السكن فى الدستور المصرى مواد ( 33 ، 35 ، 78 ) الباب الثانى ”
المقومات الأساسية للمجتمع ” الفصل الثانى المقومات الإقتصادية، والباب الثالث ” الحقوق والحريات والواجبات العامة ” .
فالإيجار القديم في القانون المصري من القضايا الشائكة التي أثارت الكثير من الجدل لسنوات طويلة،
حيث ترتبط بحقوق كل من الملاك والمستأجرين، وهذه المشكلة تتعلق بعقود إيجار قديمة
غالبًا ما تعود إلى ما قبل صدور قوانين تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وتتميز بأنها توفر
إيجارات زهيدة للمستأجرين وتمنحهم حق الامتداد القانوني للعقد، مما يُعدّ إجحافًا بحقوق الملاك.
فالجوانب القانونية لقانون الإيجار القديم، ويرجع أصل المشكلة إلى قوانين تم سنّها في القرن الماضي،
خاصة في أعقاب الحروب والأزمات الاقتصادية، والتي هدفت إلى حماية المواطنين من جشع الملاك والغلاء، فتم تجميد القيمة الإيجارية،
وسمح القانون بامتداد العلاقة الإيجارية إلى الورثة، ما حوّل العلاقة التعاقدية إلى علاقة شبه دائمة من خلال قانون الإيجار القديم رقم 49 لسنة 1977م،
إلا أن الخوفً من العواقب إلاجتماعية والأبعاد الإقتصادية سببا فى عدم إتخاذ قرار فى تلك المشكلة.
وينعكس بقاء قانون الإيجار القديم سلبيًا على الإقتصاد بشكل عام من خلال تجميد ثروة عقارية ضخمة لا يتم استغلالها اقتصاديًا،
وعزوف المستثمرين عن الإستثمار في سوق العقارات الإيجارية بسبب غياب عوائد عادلة، وفجوة كبيرة بين القيمة السوقية للعقارات والقيمة الفعلية للإيجار،
وفي الوقت ذاته، فإن تحرير العلاقة الإيجارية دون ضوابط قد يؤدي إلى زيادات ضخمة في الإيجار
تُخرج آلاف الأسر من مساكنها، مما يهدد بالاضطرابات الاجتماعية، فالمستأجرون في ظل القانون القديم
ينتمون في كثير من الأحيان إلى الفئات محدودة الدخل، التي لا تستطيع دفع إيجارات السوق الحر، خاصة كبار السن والمتقاعدين،
لذا، فإن أي تعديل في القانون يجب أن يُراعي هذه الطبقات، ويُجنّبها التشريد أو الإخلاء القسري.
فالطريق نحو الحل يجب وضع رؤية متوازنة لحل أزمة الإيجار القديم، لذلك لا بد من إتباع منهج
تدريجي عادل يشمل ما يلي، إعادة تقييم العقود القديمة ورفع الإيجار تدريجيًا بنسبة سنوية مقننة،
مع استثناء الحالات الإجتماعية والإنسانية من التطبيق الفوري للقانون،
ويجب إطلاق صندوق لدعم الإيجار للفئات غير القادرة، تموله الدولة أو تُشارك فيه منظمات المجتمع المدني والبنوك الوطنية،
وإعطاء فرصة للتفاوض المباشر بين المالك والمستأجر، تحت إشراف الدولة، وسن قانون جديد يُنهي الإمتداد غير المنضبط للعقود ويُعطي لكل طرف حقه دون انتقاص.
ويبقى قانون الإيجار القديم قضية شائكة تحتاج إلى معالجة جذرية، لا ترتكز فقط على النصوص القانونية،
بل تنظر بعين الاعتبار إلى الأبعاد الإجتماعية والإنسانية، فالتوازن بين حقوق المالك وكرامة المستأجر هو الطريق نحو عدالة حقيقية، واستقرار مجتمعي واقتصادي دائم.
لذلك يجب وضع توصيات بشأن قانون الإيجار القديم من خلال وضع إعادة التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية وتعديل العقود القديمة بما يحقق التوازن بين المالك والمستأجر،
من خلال رفع تدريجي للقيمة الإيجارية بما يتناسب مع معدلات التضخم وقيمة العقار الفعلية، وتطبيق الزيادة بنسب محددة على فترات زمنية متدرجة،
وحماية الفئات الضعيفة واستثناء الحالات الإجتماعية الخاصة كالمتقاعدين وذوي الدخل المحدود من التطبيق الكامل لتعديلات القانون،
وتقديم دعم حكومي لهم أو إيجاد بدائل سكنية مدعومة، وإنشاء قاعدة بيانات لحصر المستأجرين
من الفئات الأكثر احتياجًا وتقديم إعانات لهم لتغطية فروقات الإيجار الجديدة،
مع عدم الطرد الفوري للمستأجرين ووضع خطة زمنية لإلغاء عقود الإيجار القديمة بشكل تدريجي وليس فجائي، حتى لا يؤدي ذلك إلى تشريد الأسر،
والسماح بتجديد العقود بشروط جديدة لفترة انتقالية، ثم التحول إلى نظام الإيجار الحر بعد انقضاء تلك الفترة،
وتشجيع التفاوض المباشر ومنح المالك والمستأجر فرصة التفاوض على شروط جديدة للعقد بإشراف الدولة أو عبر لجان فض منازعات عقارية،
بما يحفظ العلاقة التعاقدية ويقلل من النزاعات القضائية، وتحديث التشريعات العقارية وتعديل القانون الحالي بطريقة شاملة تراعي المتغيرات الإقتصادية والديموغرافية،
مع الأخذ بتجارب دول أخرى في معالجة مثل هذه القضايا، وسن قانون جديد ينظم العلاقة الإيجارية المستقبلية،
ويمنع تكرار إشكالية الإيجارات الممتدة مدى الحياة، وتقديم حوافز ضريبية أو تسهيلات مالية لأصحاب العقارات الذين يدخلون في اتفاقات تصالحية مع المستأجرين،
وتشجيع الإستثمار في الإسكان الإيجاري من خلال نظام شفاف وعادل، وتعزيز ثقافة التعاقد العادل
وإطلاق حملات توعية قانونية للملاك والمستأجرين لفهم حقوقهم وواجباتهم، مع التشجيع على اللجوء للوسائل السلمية لحل النزاعات وصدور قانون مباشر للاماكن المغلقة.
توصيات للأماكن المغلقة
ولدى مقترح نضعه أمام المختصين وأمام الحكومة بشأن ضرورة معالجة إشكالية الأماكن المغلقة وغير المشغولة فعليًا، والواقعة تحت مظلة قانون الإيجار القديم،
وذلك ضمن مشروع القانون الجديد المزمع صدوره لتنظيم العلاقة الإيجارية، ويترتب على استمرار غلق
عدد كبير من الوحدات السكنية أو غير السكنية المؤجرة بموجب قوانين الإيجار القديمة، دون إشغال فعلي، أضرار جسيمة منها،
حرمان الملاك من حق الانتفاع بممتلكاتهم، تجميد ثروة عقارية هائلة لا تُستغل، تعطيل فرص الإسكان لملايين الشباب والأسر، غياب العدالة بين الوحدات المؤجرة قديمًا والحديثة.
مقترحات تشريعية لحل المشكلة
المادة (1) تعريف الوحدة المغلقة
تُعتبر الوحدة المؤجرة مغلقة إذا ثبت عدم استخدامها أو إشغالها فعليًا من قبل المستأجر أو المنتفع، لمدة ثلاث سنوات متصلة، دون عذر قانوني مقبول،
إذا ثبت للجنة المعنية أن الوحدة المؤجرة لم تُشغل فعليًا من قِبل المستأجر أو من له حق البقاء فيها لمدة
تزيد عن ثلاث سنوات، دون سبب مشروع، اعتُبر العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه،
ويجوز للمالك استرداد الوحدة أو إعادة تأجيرها دون الحاجة لحكم قضائي، بعد توجيه إنذار قانوني لمدة ستة أشهر.
المادة (2) تشكيل لجان إثبات الحالة
تُنشأ لجان فرعية تابعة لوزارة الإسكان، تضم: عضوًا من الحي، ممثلًا عن مصلحة الضرائب العقارية، مندوبًا
من وزارة العدل (قانوني)، وتختص هذه اللجان بتحرير محاضر معاينة للوحدات المشكوك في غلقها.
المادة (3) الإنهاء القانوني للعقد
إذا ثبتت حالة الإغلاق لمدة تتجاوز ثلاث سنوات يُعد العقد لاغيًا بقوة القانون دون حاجة لحكم قضائي،
ويُنذر المستأجر إنذارًا رسميًا بوجوب إثبات الإشغال خلال 6 أشهر، وإلا يُسترد العقار.
المادة (4) فرض رسوم وغرامات
تُفرض غرامة إدارية تُقدر بنسبة من القيمة السوقية السنوية للوحدة، على كل وحدة مغلقة دون مبرر، وذلك في حال استمرار الغلق بعد المهلة القانونية.
المادة (5) استثناءات إنسانية
تُستثنى من أحكام هذا الباب كبار السن المقيمون مع ذويهم بشكل موسمي، المرضى الذين غادروا مؤقتًا
للعلاج، المقيمون بالخارج لأسباب قهرية موثقة، ويُحال هؤلاء إلى لجان استثنائية تابعة لوزارة التضامن.
المادة (6) قاعدة البيانات الوطنية
تنشئ وزارة الإسكان منصة إلكترونية قومية لرصد الوحدات المؤجرة قديمًا، يُسجل بها ما يلي : حالة الإشغال، بيانات العقار والمستأجر، قرارات لجان المعاينة.
الأثر المتوقع إعادة تفعيل آلاف الوحدات المغلقة، تقليص أزمة السكن، تحقيق التوازن بين حقوق المالك
وأوضاع المستأجر، ضخ موارد جديدة من خلال إعادة تأجير الوحدات أو فرض غرامات على تعطيلها.
فقضية الأماكن المغلقة وغير المستغلة والخاضعة لقانون الإيجار القديم تُعد من أبرز المشكلات،
إذ تمثل هدرًا اقتصاديًا كبيرًا وحرمانًا للملاك من الانتفاع بممتلكاتهم،
فضلاً عن تعطيل الوحدات التي يمكن أن تُستخدم في أغراض سكنية أو تجارية.
اقتراحات لمشروع قانون تنظيم العلاقة الإيجارية للوحدات القديمة
( السكنية والتجارية )
المادة الأولى – التعريفات.
تُفسر المصطلحات الواردة في هذا القانون على النحو التالي.
الوحدة المؤجرة : العقار أو جزء منه الذي تم تأجيره بموجب قانون الإيجار القديم رقم49 لسنة1977،
والمستأجر الأصلي الشخص الذي أبرم العقد مع المالك، والوريث المستفيد من انتقل إليه حق الإنتفاع وفق أحكام القانون، والقيمة الإيجارية العادلة التي
تُحدد بناءً على موقع الوحدة ومساحتها ومدى تهالكها ومقارنتها بقيم الإيجار في ذات المنطقة.
المادة الثانية – تطبيق تدريجي للقانون.
يُطبق هذا القانون على العقود المبرمة، ويتم البدء تدريجيًا بفئات العقود غير السكنية (تجارية، إدارية)، ثم العقود السكنية، مع إعطاء فترة انتقالية.
المادة الثالثة – إعادة التقدير التدريجي للإيجار.
تُرفع القيمة الإيجارية للوحدات القديمة تدريجيًا بنسبة سنويًا للوحدات السكنية، وللوحدات التجارية، وذلك لمدة أقصاها 7 سنوات، للوصول إلى القيمة العادلة للإيجار.
المادة الرابعة – إنهاء الامتداد القانوني للعقد
يتم إنهاء الامتداد التلقائي للعقد بعد مرور الفترة الانتقالية المحددة، ويُعاد التفاوض بين المالك والمستأجر على شروط جديدة،
ويُستثنى من ذلك المستأجرون من الفئات الإجتماعية الخاصة، وفقًا للمادة السادسة.
المادة الخامسة – تسوية العلاقة التعاقدية
إنهاء العقد بالتراضي، مقابل تعويض يُحدد بناءً على مدة الإقامة وحالة العقار بنسبة قانونية، وأن توفر
الدولة وحدات بديلة للمستأجرين في حالة عدم قدرتهم على الاستمرار.
المادة السادسة – الفئات المستثناة
يُستثنى من التطبيق الكامل لهذا القانون، ويُمنحون مددًا أطول أو دعمًا مباشرًا
أصحاب المعاشات، الحالات المرضية المستعصية، الأسر تحت خط الفقر وفقًا لبيانات وزارة التضامن الإجتماعي، ذو الإعاقة.
المادة السابعة – لجان فض المنازعات
تنشأ لجان خاصة بكل محافظة، تتبع وزارة العدل، لفض المنازعات الناشئة عن تطبيق هذا القانون، وتصدر قراراتها خلال 60 يومًا بحد أقصى.
المادة الثامنة – إنشاء صندوق دعم الإيجار
يُنشأ صندوق تابع لوزارة التضامن الاجتماعي باسم صندوق دعم سكن المستأجرين غير القادرين، لتمويل الحالات المتضررة من تطبيق القانون،
على أن يُمول من جزء من عائدات الدولة العقارية، مساهمات وزارة الإسكان، البنوك الوطنية .
المادة التاسعة – الضمانات
يُمنع طرد المستأجر تعسفيًا خلال الفترة الانتقالية، يُجرّم استغلال أحد الطرفين للوضع القانوني في التهديد أو الابتزاز.
المادة العاشرة – صدور قانون جديد للعلاقة الإيجارية
إلغاء قانون رقم 49 لسنة 1977م وإلغاء قانون رقم 4 لسنة 1996م، وصدور قانون جديد، ويُعمل به اعتبارًا من تاريخ نشره.