اشرف محمدين يكتب : الحوكمة والإدارة الرياضية .. الطريق إلى نزاهة المنافسة واستدامة النجاح

في عالم الرياضة الحديث، لم تعد الإنجازات تُقاس فقط بعدد البطولات والألقاب، بل أصبحت تُقاس بقدرة المؤسسات الرياضية على ترسيخ قيم النزاهة، والشفافية، والمساءلة… وهي المبادئ التي تشكل جوهر مفهوم “الحوكمة” في الإدارة الرياضية.

 

فإذا كانت اللياقة البدنية هي أساس أداء اللاعبين، فإن الحوكمة الرشيدة هي أساس الأداء المؤسسي للكيانات الرياضية.

ما المقصود بالحوكمة الرياضية؟

الـ”حوكمة” تعني ببساطة إدارة الموارد والقرارات داخل المؤسسة وفق قواعد واضحة ومعلنة، تضمن الشفافية، وتُحقق العدالة، وتمنع تضارب المصالح.

وفي المجال الرياضي، تتضمن الحوكمة بناء هيكل تنظيمي عادل، فصل السلطات، تحديد الأدوار بوضوح، وتفعيل الرقابة المالية والإدارية بشكل مستقل.

ليست الحوكمة مجرد مصطلح إداري رنان، بل هي ثقافة إدارة رشيدة تُفرّق بين الأندية والمؤسسات الرياضية التي تبني نجاحها على قواعد متينة، وتلك التي تُقام على المجاملات والعشوائية.

لماذا نحتاج الحوكمة في الرياضة؟

1. الشفافية المالية: لمنع الفساد وسوء استخدام الموارد، خاصةً في المؤسسات التي تُموَّل من الدولة أو من جماهيرها.

2. ضمان العدالة في التعيينات: لمواجهة ظواهر المجاملة والواسطة في اختيار الأجهزة الفنية والإدارية.

3. فصل الأدوار: بحيث لا تتداخل صلاحيات رئيس النادي مع المدير التنفيذي أو الفني.

4. تحقيق الاستدامة: الحوكمة تضمن ألا ترتبط النجاحات بشخص بعينه، بل تُبنى على نظام مؤسسي قابل للاستمرار.

التحديات أمام تطبيق الحوكمة في المجال الرياضي العربي

 

رغم أهمية الحوكمة، إلا أن تطبيقها في السياق العربي يواجه عددًا من التحديات، أبرزها:

• ضعف الوعي الإداري داخل الأندية بالمعايير الدولية للحوكمة.

• غياب الكوادر المؤهلة القادرة على تطبيق نظم الحوكمة ومتابعتها.

• المقاومة الثقافية للتغيير، خاصة في المؤسسات التي تعوّدت على الإدارة الفردية.

• تضارب المصالح داخل بعض الهيئات الرياضية، بين من يُدير ويُحاسب ويُشارك في القرار.

 

نماذج ناجحة من العالم

• الدوري الإنجليزي الممتاز يُعد مثالًا عالميًا للحوكمة، حيث يُشترط تقديم تقارير مالية مفصّلة، ويُعاقب أي نادٍ يخالف معايير اللعب المالي النظيف.

• الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بعد فضائح الفساد، أعاد هيكلة إدارته، وفعّل آليات رقابة مستقلة، وقلّص تركّز السلطة في يد رئيس الاتحاد.

كيف نؤسس لحوكمة حقيقية في الرياضة العربية؟

1. إصدار تشريعات واضحة تفرض معايير الحوكمة على الأندية والاتحادات.

2. تدريب الكوادر الإدارية على مفاهيم الحوكمة الحديثة.

3. تفعيل دور الجمعيات العمومية في الرقابة والمساءلة.

4. إنشاء هيئات مستقلة للرقابة والتقييم ومتابعة الأداء الإداري والمالي.

5. دمج التكنولوجيا في إدارة المؤسسات الرياضية لضمان الشفافية (التحول الرقمي – قواعد البيانات – التعاقدات الذكية).

الرياضة بدون حوكمة… منافسة بدون روح

 

الرياضة ليست مجرد مهارات تُمارَس في الملاعب، بل هي أيضًا مؤسسات تدير موارد، وتخاطب جماهير، وتُشكّل وعي مجتمعات.

ومن دون حوكمة رشيدة، تصبح الرياضة ساحة للفوضى، تتحكم فيها العلاقات بدلًا من القوانين، وتُفرّخ الظلم بدلًا من أن تُرسخ للعدالة.

 

لذا، إذا أردنا لرياضتنا أن تنهض، وأن تنافس عالميًا، فعلينا أن نُديرها بعقلية حديثة، وأن نؤمن أن الإدارة الرشيدة لا تقل أهمية عن المدرب، ولا عن اللاعب، بل هي حجر الأساس لكل إنجاز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى