بعض مقترحات مصحوبة بغضب
للنهوض بالثقافة والسياحة فى المحافظة المظلومة
قاسم مسعد علي هل يمكن لأمرئ أن يجادل فى حقيقة أن مصر قد منحت هيئة قناة السويس وطناً لتعمل فيه؟.. لا أظن، فهذه حقيقة واضحة، بدهية، لا مرية فيها؛ ولأنها كذلك فلا يمكن لأحد أن يطمس حقوق مصر على هيئة قناة السويس، ولا حقوق المدن المتاخمة لضفتيها؛ ولا يقدر إنسى على الزعم بجوازية هذه الحقوق وعدم حتميتهافهى بكل المقاييس حقوق واجبة، لا يجوز الالتفاف حولها أو الجور عليها.
وهذه الحقوق، وإن كانت متعددة ومتنوعة، فهى أيضاً ميسورة وممكنة. لن نخوض فى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على أهميتها وكثرة أنواعها واحتياج مدينة بورسعيد الشديد إليها، حتى نتمكن من تناول حقوق شعب بورسعيد الثقافية على هيئة قناة السويس، تلك الحقوق واضحة الشح والندرة، فلا يليق بهيئة كهيئة قناة السويس حجماً ومكانة وثراءً أن تقتر كل هذا التقتير على الأنشطة الثقافية فى المدينة، ولا أن تختزل دورها الثقافى فى فرقة مسرحية ما أضعف ما ينفق عليها، ولا فى كشك بحديقة بورفؤاد خصصته لبيت ثقافة الحى، ولا وحدة سكنية فى واحدة من عمائرها ببورفؤاد رصدتها لمكتبة الطفل. هل هذا هو دور الهيئة الثقافى؟..
لماذا لا تنشئ هيئة قناة السويس مسرحاً وقاعة عرض للفنون التشكيلية وتقيم أندية أدبية وحجرة للاستماع الموسيقى؟.. لماذا لا تخصص جوائر فنية وأدبية باسمها؟.. لماذا لا تفتح متحفها (السرى) بالمدينة وتصدى لاستكمال منظومة المتاحف بها؟.. هل هذا كثير عليها؟.. هل سيقول مسئولوها بأن الثقافة لا تدخل فى نشاط هيئتهم؟.. لو جرؤ واحد منهم على قول كهذا فلا يصح معه سوى التوبيخ، ولطالبناه بالنظر إلى الخدمات الثقافية التى تقدمها مؤسسات اقتصادية أخرى رعاية للعاملين بها والمتعاملين معها والعائشين فى محيطها. عار على هيئة قناة السويس ما تفعله فى بورسعيد منذ عقود وعقود.
منحت هيئة قناة السويس الاتحاد الاشتراكى فيلا هائلة ببورسعيد استخدمت كمقر رئيسى له، وعندما أنشئ حزب مصر (الحكومى) فى العام 1976م. آلت إليه الفيلا؛ ولأن دوام الحال من المحال فقد غضب السادات على الحزب الذى أسسه وطرده من معيته، وأنشأ على أطلاله فى أغسطس 1978م. الحزب الذى أطلق عليه اسم الحزب الوطنى الديموقراطى، وبحكم قانون الوراثة ولأن لجام هيئة قناة السويس مقبوض عليه بأكف السلطة الساداتية فقد آل المقر إلى الحزب الحكومى الجديد الذى ترأسه السادات نفسه وظل رئيساً له حتى مصرعه فى العام 1981م. ليخلفه فى رئاسته الرئيس المخلوع حتى 11 فبراير 2011م، ولم تجرؤ هيئة قناة السويس على التنبيه، فى أى وقت أو مرحلة، بأن هذا المقر ملك لها، وأنها تريد استرداده، أكثر من هذا وفرت فيلا أخرى لتكون مقراً آخر للحزب الوطنى ببورفؤاد، ولمزيد من الارتباط بالسلطة، لا الشعب، وفرت كذلك واحدة من أهم فيلاتها، إن لم تكن الأهم للرئيس محمد أنور السادات ليضمها إلى سلسلة استراحاته الموزعة على أرجاء الجمهورية: صحاريها وبساتينها وسواحلها، وما كانت الهيئة بمستطيعة بطبيعة الحال أن تزعم بأنه ليس لديها ما يمكن تخصيصة ليكون استراحة للرئيس المؤمن، أو أن تشير، ولو بطرف خفى، إلى استراحته ـ وقتذاك ـ بشاليهات المعمورة ببورسعيد.. فهذا ليس ممكناً، ونحن قبل غيرنا نعلم هذا، وبسبب هذا العلم نعذر الهيئة ولا نحاسبها عليه.
لكن ما نحاسبها عليه هو إقدامها فور صدور الحكم التاريخى بحل الحزب الوطنى الديموقراطى بتاريخ 16 أبريل 2011م. بالإعلان عن ملكيتها للمقرين اللذين خليا بحل الحزب ورفضها تخصيصهما لخدمة ثقافة عموم الشعب، فقد تطلع كثيرون إلى هذه الخدمة، خصوصاً فى المجال الثقافى حيث أن بورسعيد كلها، بأحيائها السبعة، لا يوجد بها قصر ثقافة واحد بعدما دخل القصر الوحيد بها “غيبوبة الترميم” التى استغرقت وستستغرق سنوات وسنوات. وما أطلق عليه أوبرا بورسعيد مازال قيد الإنشاء منذ عهد المحافظ الأسبق الدكتور مصطفى كامل محمد. السبب فى رأينا عائد إلى أن هيئة قناة السويس مازالت ترنو، حتى بعد ثورة 25 يناير، إلى سوط الجلاد وإصبع الحاكم، وبعد عقود وسنوات من التبعية للنظام المنهار ما عادت الهيئة لتقدر على النظر تجاه المدينة التى أعطتها وطناً لتعمل فيه.
ولعل مسئولى الهيئة يحتفظون بهذا المقرات (مقرا الحزب المنحل ببورسعيد وبورفؤاد، ومقر استراحة السادات) لتسليمها إلى الحزب أو الائتلاف الحزبى الذى سيحكم البلاد.
ولربما، بسبب خلو المقرين للآن، تلمس البعض العذر للمحامى أحمد عبد النعيم لرفعه الدعوى رقم رقم 22268 لسنة 33 ق ضد رئيس المجلس الأعلى العسكرى بصفته الرئيس الأعلى للبلاد ورؤساء مجلس الوزراء ومجلس الدولة وهيئة قناة السويس للمطالبة بتخصيص مبني الحزب الوطنى الكائن بحى الشرق شارع الشهيد العجرودى والظاهر ببورسعيد كمقر لمجلس الدولة، لكن أليس النشاط الثقافى أحق وأجدى، وهل يعجز مجلس الدولة عن إيجاد مقر دائم له بالمحافظة بغير أن يزاحم المثقفين الفقراء على هذا المقر، وبغير أن يجور على حق المدينة فى التثقف والتنشيط السياحى؟
بورسعيد تحتاج إلى الثقافة، وبورسعيد تحتاج إلى السياحة، وما بين الثقافة والسياحة وشائج كثيرة. بورسعيد تنقصها الآن بؤر الإشعاع الثقافى ومزارات التنشيط السياحى. تفتقد للأبنية المؤسسية التى تدعم العمل الثقافى من معارض فنية ومسارح ومتاحف، مثلما تفتقد البنية العميقة ـ لا السطحية ـ للجذب السياحى؛ وبإمكاننا إن أردنا الخير لمحافظة بورسعيد أن نكمل ما نقص من المنظومة التى تربط الثقافة والسياحة بهذه المقار الثلاث، فننظم المعارض ونقيم الحفلات وننشىء المتاحف التى ستجعل من بورسعيد مزاراً للأجانب والوطنيين سواء بسواء، وبالنسبة للمتاحف لدينا أفكار كثيرة، فبورسعيد بموقعها وتاريخها وبيئتها ومحيطها الحيوى أصلح مكان لوجود متحف للملاحة البحرية وآخر لقناة السويس وثالث للأحياء المائية ورابع لتطور المدينة فى العمران والأزياء والفنون واللغات واللهجات، وآخر للخالدين من أبنائها. غير متحف هيئة قناة السويس (السرى) يوجد فى بورسعيد الآن ثلاثة متاحف واحد منها فقط هو المفتوح للجمهور العام، وقد نالت معروضاته يد التشويه بهدف تمجيد السلطان المخلوع (المتحف الحربى)، وأحد المتحفين الآخرين هدم من أجل إعادة بنائه (المتحف القومى) والآخر قيد التطوير وينتظر الافتتاح بعد استكمال منظومة الأمن فيه (متحف النصر للفن الحديث).
ما من شك فى أن هذه الفيلات الثلاثة، ونضيف إليها فنار بورسعيد (الأثرى) ومتحف الهيئة (السرى)، من شأنها جميعاً فى حال الأخذ بما ندعو إليه، أن تُكوِّن مع المتاحف الأخرى حال تشغيلها، منظومة متحفية متكاملة تؤدى إلى تعظيم العائد الثقافى والسياحى وترفع من شأن بورسعيد، وتروج لاقتصادها بما بتجاوز بكثير تلك الأفكار التى تهين الكرامة الوطنية لبورسعيد ومصر كلها كتلك التى تدعو إلى إعادة تمثال دى ليسبس وتنصيبه من جديد عند مدخل قناة السويس. ويا هيئة قناة السويس، أنت بمسلكك هذا لا تستعيدين أملاكك، وإنما أنت تسلبين شعب بورسعيد جانباً من حقوقه عليك.. حقه فى أن ينعم بالزاد الثقافى، وحقه فى أن يثرى بالعائد السياحى، وحقه فى أن يحافظ على كرامته وكرامة مصر الوطنية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.